علماء يعيدون تصنيع الصبغة الزرقاء المصرية القديمة

نجح فريق من الباحثين في جامعة ولاية واشنطن (WSU)، بالتعاون مع متحف كارنيجي للتاريخ الطبيعي ومعهد صيانة المتاحف التابع لمؤسسة سميثسونيان، في إعادة تصنيع 12 نوعًا أصليًا من “الأزرق المصري” — أقدم صبغة صناعية معروفة في تاريخ البشرية، وذلك وفقًا لما ذكرته ARTnews.

ترجع أصول الصبغة الزرقاء المصرية إلى أكثر من خمسة آلاف عام، وتحديدًا إلى الأسرة الرابعة في مصر القديمة (2613–2494 قبل الميلاد). وعلى الرغم من أن طريقة تصنيعها كادت أن تُنسى بعد ذلك، إلا أنها عادت للظهور خلال عصر النهضة. وقد طوّر الفريق البحثي 12 وصفة جديدة لإعادة إنتاج هذه الصبغة، حددوا من خلالها المكونات ودرجات الحرارة اللازمة للحصول على تدرجات لونية مختلفة.

اعتمد الباحثون على خلط مواد مثل الكالسيوم، والنحاس، والسيليكا، وكربونات الصوديوم، وهي مواد يُعتقد أن الحرفيين المصريين القدماء كانوا قادرين على الحصول عليها. ثم قاموا بتسخين هذه الخلطات إلى نحو 1000 درجة مئوية لمدة تتراوح بين ساعة و11 ساعة، وهي مدة تتماشى مع قدرات الأفران القديمة في تلك الحقبة.

وأوضح جون ماكلوي، مدير كلية الهندسة الميكانيكية وعلوم المواد في جامعة WSU، أن الدراسة تُعد مثالًا جيدًا على دور العلم في فهم ماضينا، وقال: “حتى التغييرات الصغيرة في عملية التصنيع يمكن أن تؤدي إلى نتائج مختلفة تمامًا”.

كما بيّنت الدراسة أن سرعة التبريد بعد التسخين تلعب دورًا كبيرًا في تحديد اللون النهائي. فقد أظهرت العينات التي تم تبريدها ببطء — من المحتمل أنها كانت تُدفن في الرمل أو الرماد للحفاظ على دفئها — نسبة أعلى بكثير من معدن “الكوبرويڤايت” الذي يمنح الصبغة لونها الأزرق المميز، مقارنة بالعينات التي تم تبريدها سريعًا في الهواء. وكانت الألوان الناتجة عن التبريد البطيء أكثر عمقًا وسطوعًا.

ومن المثير للاهتمام أن الفريق وجد أن الحصول على اللون الأزرق العميق لا يشترط أن تكون الصبغة مكوّنة بالكامل من معدن الكوبرويڤايت. حيث أشار ماكلوي إلى أن “اللون لا يزال يظهر أزرقًا رغم وجود العديد من المواد الأخرى ضمن المزيج. جزيئات الصبغة ليست متجانسة تمامًا، لكن النتيجة النهائية تبقى موحدة”.

تتراوح ألوان الأزرق المصري بين الأزرق الكثيف إلى الرمادي أو الأخضر المعتم، وذلك حسب تركيبة المكونات ومدة المعالجة. وقد استخدم الباحثون مزيجًا من 12 مادة مختلفة من ضمنها السيليكا البلورية ومصادر متنوعة للنحاس، لإعادة تركيب هذا اللون.

وتجدر الإشارة إلى أن الأزرق المصري أصبح يحظى باهتمام علمي متزايد في العصر الحديث نظرًا لخصائصه الفريدة وتطبيقاته المحتملة. فهو يبعث ضوءًا في نطاق الأشعة تحت الحمراء القريبة — وهو ضوء غير مرئي للعين البشرية — وهذه الخاصية تُستخدم حاليًا في الحبر الأمني، والتصوير الطبي الحيوي، والاتصالات. كما أن التركيب الكيميائي للصبغة يشبه تركيب الموصلات الفائقة التي تعمل في درجات حرارة عالية، مما يفتح آفاقًا جديدة لاستخدامها في الأمن الرقمي والتقنيات فائقة التوصيل.

بفضل هذه الدراسة، أصبح العلماء اليوم أقرب لفهم التكنولوجيا المتقدمة التي استخدمها المصريون القدماء في صناعتهم، والتي ما زالت تدهش الباحثين حتى يومنا هذا.