نسور قرطاج بين ذكريات المونديال واختبار البرازيل.. “بروفة” نارية قبل معركة المغرب
في الوقت الذي تستعد فيه القارة السمراء لانطلاق بطولة كأس الأمم الأفريقية في المغرب، عاد المنتخب التونسي ليخطف الأضواء من جديد، ليس فقط بنتائجه ولكن بالأداء الرجولي الذي يقدمه أمام كبار اللعبة. المشهد الحالي في “ليل” الفرنسية، حيث فرض “النسور” التعادل على راقصي السامبا، يعيد للأذهان تلك الروح القتالية التي ظهروا بها في ملاعب قطر أمام الدنمارك وفرنسا، ليؤكد التونسيون أنهم رقم صعب لا يمكن تجاهله، سواء كان الخصم أوروبيًا أو لاتينيًا.
تعادل بطعم الفوز أمام السامبا
قبل شهر واحد فقط من انطلاق العرس الأفريقي، حقق المنتخب التونسي تعادلًا استراتيجيًا هامًا بنتيجة 1-1 أمام المنتخب البرازيلي في مدينة ليل. هذه النتيجة جاءت في وقتها تمامًا للمدرب سامي الطرابلسي، الذي يستعد لقيادة الفريق في مجموعة نارية بكأس الأمم تضم نيجيريا، أوغندا، وتنزانيا.
المباراة لم تكن مجرد ودية، بل كانت درسًا تكتيكيًا؛ حيث اعتمد “نسور قرطاج” على التنظيم الدفاعي المحكم والهجمات المرتدة السريعة، وهي الاستراتيجية التي آتت أكلها بمنتصف الشوط الأول، عندما نجح حازم المستوري في خطف هدف التقدم مستغلًا تمريرة ساحرة من عبدي. هذا الهدف كشف عن انضباط تكتيكي عالٍ وقدرة على استغلال المساحات، وهو سلاح فتاك سيحتاجه الفريق بشدة في ملاعب المغرب.
البرازيل في قفص الاتهام
على الجانب الآخر، لم يمر التعادل مرور الكرام في الصحافة العالمية؛ فقد واجه كارلو أنشيلوتي وكتيبته البرازيلية عاصفة من الانتقادات، خاصة من الصحف الإسبانية والأرجنتينية التي وصفت أداء السامبا بالعقيم. ورغم الاستحواذ، ظهر نجوم بحجم فينيسيوس جونيور ورودريجو كأشباح في الملعب أمام الصلابة الدفاعية التونسية، ولولا ركلة الجزاء التي سجلها إستيفاو قبل نهاية الشوط الأول، لخرج البرازيليون بخسارة محرجة. التعادل كشف عيوبًا واضحة في التشكيل البرازيلي قبل مونديال 2026، خاصة في خط الوسط والدفاع الذي بدا مهزوزًا، وزادت إصابة إيدير ميليتاو من أوجاع الفريق.
استحضار روح مونديال قطر
هذا الأداء البطولي أمام البرازيل ليس وليد الصدفة، بل هو امتداد لشخصية الفريق التي ظهرت بوضوح في مونديال قطر الأخير. وقتها، واجهت تونس تحديات مشابهة في مجموعة “الموت” التي ضمت الدنمارك، أستراليا، وفرنسا. ورغم صعوبة المهمة، رفض حينها جلال القادري، المدرب السابق، نغمة “الفريق الأضعف”، مؤكدًا أن تونس تمتلك الطموح والخبرة لتغيير الواقع، وهو نفس المنطق الذي يطبقه الجيل الحالي.
التحدي في قطر كان يتمثل في كسر عقدة المنتخبات الأوروبية، حيث خاضت تونس قبل تلك البطولة 10 مواجهات مونديالية دون فوز على الأوروبيين. القادري دافع باستماتة عن اختياراته وقتها وسط انتقادات لاذعة، معولًا على خبرات نجوم مثل يوسف المساكني، صاحب الـ 17 هدفًا دوليًا، لترجيح كفة الفريق.
الاحترام يفرض نفسه في كل المواجهات
اللافت للنظر هو حالة “الاحترام والخوف” التي يفرضها المنتخب التونسي على خصومه الكبار. فكما تعامل الدنماركيون بحذر شديد في المونديال، حيث صرح حارسهم كاسبر شمايكل ومدربهم كاسبر هيولماند عن قلقهم من الدعم الجماهيري التونسي الكبير وتجهيزهم النفسي للاعبين للتعامل مع ضغط الجمهور العربي، تكرر السيناريو أمام البرازيل التي عانت لاختراق الدفاعات التونسية.
سواء كانت المواجهة أمام “الفايكنج” الدنماركيين بقيادة إريكسن وبولسن، أو أمام “السامبا” البرازيلية، يثبت التونسيون أنهم قادرون على التعامل مع الضغوط.
دفعة معنوية قبل المعترك الأفريقي
الآن، ومع اقتراب ضربة البداية في المغرب، يمنح التعادل مع البرازيل المدرب سامي الطرابلسي مساحة للتنفس وثقة كبيرة. المجموعة التي تنتظر تونس في أمم أفريقيا ستكون عبارة عن “معركة تكسير عظام”، فمواجهة السرعة البدنية لمنتخبات أوغندا وتنزانيا، والقوة الهجومية المرعبة لنسور نيجيريا، تتطلب هدوءًا وتركيزًا عاليين.
الأكيد أن ما حدث في “ليل” يبعث برسالة طمأنة للجماهير التونسية؛ فالقدرة على امتصاص ضغط فريق بحجم البرازيل ثم الرد بدقة، هي المفتاح السحري الذي قد يقود “نسور قرطاج” للتحليق بعيدًا في سماء المغرب والمنافسة بجدية على اللقب القاري الغالي.