اكتشف مصر كما ينبغي لعشاق الثقافة والراحة والمغامرة الخفيفة

لدى كل محب للتاريخ شغف خاص لاكتشاف الماضي، وكأنهم يسعون لإحيائه بنفس الحماسة التي يحافظون بها عليه للمستقبل. ومن أبرز ما يثير اهتمامهم هو زيارة آثار أقدم ثلاث حضارات في العالم: بلاد ما بين النهرين، حضارة وادي السند، ومصر القديمة. فبالنسبة لهؤلاء، لا شيء يضاهي متعة الترحال في عمق التاريخ، وهي تجربة أكثر إلهامًا من تكرار الذكريات الشخصية.

حين كنت أتصفح قائمة وجهاتي السياحية، بدأت صور أهرامات الجيزة تسيطر على صفحتي الرئيسية في إنستغرام. لعلني ذكرت عابرًا لصديق رغبتي في زيارة “أرض المومياوات”، ويبدو أن خوارزميات وسائل التواصل التقطت الفكرة وبدأت تغمرني بالصور. لم أعد قادرة على مقاومة صور النيل الساحرة، التي تحمل في طياتها لمسات من الغموض مثل تلك التي أبدعتها أغاثا كريستي في روايتها الشهيرة “جريمة على ضفاف النيل” – مع فارق بسيط أنني لا أطمح لحل أي لغز خلال رحلتي.

ما تلا ذلك كان رحلة منسقة بعناية امتدت لستة أيام، بفضل كرم ضيافة فندق فور سيزونز القاهرة في نايل بلازا ومنتجع فور سيزونز شرم الشيخ. كان اختياري لهذين المكانين بديهيًا، خاصة بعد أن رسّختهما الثقافة الشعبية في ذهني عبر المسلسل الشهير The White Lotus الذي صُوّر في منشآت فور سيزونز الفاخرة.

بعد رحلة طيران استغرقت ما يقارب سبع ساعات، وصلت إلى القاهرة وأنا أستمع على التكرار إلى أغنية “امشِ مثل المصريين” لفرقة The Bangles. ما لم أكن مستعدة له (وأعترف بجهلي) هو السلاسة التي مررت بها من الأمن في المطار، تلتها رحلة خلابة إلى الفندق أظهرت لي مدى تنوع العاصمة المصرية. فطرقاتها الواسعة، وبنيتها التحتية اللامعة، ووجود المساجد والكنائس والمعابد اليهودية جنبًا إلى جنب، كلها شكّلت بانوراما فريدة من التناسق الهادئ. وبعد أقل من ساعة، كنت في فندق فور سيزونز القاهرة عند نايل بلازا، حيث استقبلني فريق مذهل قدّم لي تجربة تدليل فريدة بدأت بجلسة سبا مستوحاة من تقاليد مصر القديمة، استمرت لساعة كاملة.

بعد السباحة والساونا وعشاء مستوحى من سواحل إيطاليا في مطعم ريفييرا الأنيق، أنهيت يومي وأنا أستعد للحدث الأبرز في الرحلة: زيارة أهرامات الجيزة عن قرب. حتى من غرفتي بالفندق، كنت أتمتع بإطلالة مذهلة على النيل المتلألئ والأهرامات الشامخة. كان شعور الجلوس على الشرفة بين مفروشات عصرية بينما أنظر إلى بناء يعود تاريخه إلى عام 2580 قبل الميلاد مزيجًا غريبًا من الحداثة والعراقة.

امشِ مثل المصريين

في اليوم التالي، وبعد إفطار مصري غني في مطعم زيتوني، بدأت الجولة المنتظرة إلى الأهرامات تحت إشراف عالم المصريات إبراهيم حمزة. شملت الجولة الهرم الأكبر، تمثال أبو الهول، والمعرض الفني Art D’Égypte المقام في المنطقة. يُعرف هذا الموقع باسم “جبانة الجيزة”، ويضم هرم خفرع، الشهير بكونه ثاني أطول وأكبر هرم، وهرم منقرع، بالإضافة إلى عدد من الأهرامات الصغيرة وتمثال أبو الهول العملاق.

لا شيء يُهيئك لحجم الأحجار الهائل التي شُيّدت بها هذه المعالم منذ قرون. فقد تم جلب نحو ثمانية آلاف طن من الكتل الصخرية العملاقة من أسوان قبل ما يقارب 800 عام. أما دخول الهرم فكان تجربة فريدة؛ عليك الزحف للداخل عبر ممر ضيق واحد للدخول والخروج، وصولًا إلى الغرفة التي كانت تضم مومياء الملك. إنها تجربة متعبة جسديًا ومليئة بالحرارة، لكنها لا تُنسى، سواء قررت خوضها أو الاكتفاء بمشاهدة الموقع من الخارج.

لحسن حظي، كنت أيضًا من المحظوظين الذين تمكنوا من زيارة المعرض الفني المعاصر المقام وسط صحراء الصحراء الكبرى، قبل التوجه لتناول غداء فاخر في مطعم خوفو المطل على الأهرامات. حقًا، لا تتكرر كثيرًا هذه اللحظات التي تمتزج فيها الحاضر مع عبق التاريخ بهذا الشكل الساحر.