جدل الطقس والمناخ.. مفاهيم غائبة وكوارث طبيعية تضرب العالم من الشرق إلى الغرب

على الرغم من الارتباط الوثيق بينهما في أذهان الكثيرين، إلا أن الخلط بين مصطلحي “الطقس” و”المناخ” لا يزال خطأً شائعاً يقع فيه العامة، وهو أمر يتجاوز مجرد التسميات اللغوية ليمس جوهر فهمنا للتغيرات البيئية التي تعصف بكوكبنا اليوم. فبينما ينظر البعض للأمر على أنه سيان، يؤكد الخبراء أن الفارق الجوهري يكمن في “عنصر الوقت”، وهو ما يتجلى بوضوح عند مقارنة المفاهيم النظرية بما يشهده العالم حالياً من تقلبات جوية حادة.

الخيط الرفيع بين المصطلحين

في حديث خاص، يوضح الباحث في شؤون البيئة والمناخ مازن عبود أن “الطقس” هو وصف لحالة الغلاف الجوي القريبة من سطح الأرض خلال فترة زمنية قصيرة ومحدودة، قد تمتد من بضع ساعات إلى عدة أسابيع، وهو ما نلمسه يومياً في شعورنا بالحرارة أو البرودة، ورؤيتنا للغيوم والأمطار. أما “المناخ”، فهو الصورة الأوسع والأشمل، حيث يمثل وصفاً لمظهر الطقس وسلوكه على مدى عقود، قد تصل إلى 30 عاماً، راصداً معدلات الحرارة، ونمط الرياح، والموارد المائية، والغطاء النباتي.

وفي السياق ذاته، تشير الإعلامية المتخصصة في الأرصاد الجوية كارين عباس، إلى أن هذا الخلط يتكرر كثيراً عند متابعة النشرات الجوية، مشددة على أن دراسة الطقس تندرج تحت “الأرصاد الجوية”، بينما يختص “علم المناخ” بدراسة التغيرات طويلة الأمد. وتضيف عباس نقطة جوهرية تربط النظرية بالواقع، وهي أن التغير المناخي العام نحو الأسوأ هو المحرك الرئيس لجعل الطقس اليومي أكثر تطرفاً وقسوة، فنرى شتاءً قارساً وصيفاً حارقاً يتجاوز المعتاد.

تناقضات الطقس في الولايات المتحدة

هذا التطرف المناخي الذي حذر منه الخبراء، يترجمه الواقع الحالي في الولايات المتحدة الأمريكية بصورة درامية؛ ففي الوقت الذي أصدرت فيه السلطات في كاليفورنيا تحذيرات عاجلة من الفيضانات والانهيارات الأرضية الأسبوع الماضي بسبب ظاهرة “الأنهار الجوية” – وهي تيارات طويلة من الهواء المحمل بالرطوبة القادمة من المحيط الهادئ – نجد مشهداً مغايراً تماماً في ولاية كولورادو.

فبينما تجلب هذه الأنهار الجوية أمطاراً غزيرة قد تكون مدمرة للمناطق الساحلية رغم فائدتها للخزانات الجوفية، تعاني كولورادو من جفاف غير مسبوق، حيث سجلت مدينة دنفر أطول فترات خالية من الثلوج، ووصلت درجات الحرارة في نوفمبر إلى 28 درجة مئوية، وهو رقم قياسي أجبر منتجعات التزلج على تأجيل افتتاح موسمها حتى ديسمبر المقبل.

عواصف الجنوب وثلوج الشرق الأقصى

وبالانتقال إلى النصف الجنوبي من الكرة الأرضية، لم تكن أستراليا بمنأى عن غضب الطبيعة، حيث ضربت عواصف رعدية شديدة المناطق الشمالية والشرقية، تسببت في انقطاع التيار الكهربائي عن أكثر من 11 ألف منزل. ولم يتوقف الأمر عند الأمطار والرياح العاتية، بل ساهم الهواء الاستوائي الرطب في تأجيج العواصف، بينما أشعل البرق حرائق غابات في سهول نيو ساوث ويلز، ليزيد الطقس الحار والرياح من صعوبة الموقف.

وعلى النقيض تماماً في أقصى الشرق، وتحديداً في اليابان، هجم الشتاء مبكراً وبقوة مفرطة؛ إذ سجلت بلدة “سوكايو” في جزيرة هونشو تساقطاً كثيفاً للثلوج تجاوز المتر الواحد، وهي كميات قياسية لمثل هذا الوقت من العام، كما طالت الثلوج الكثيفة أجزاء واسعة من جزيرة هوكايدو، في ظاهرة فاجأت الراصدين لشدتها وتوقيتها المبكر.

مآسي الأمطار في القارة العجوز

ولم تسلم أوروبا من هذا الاضطراب، حيث دفعت إيطاليا ضريبة باهظة للتقلبات الجوية هذا الأسبوع. فقد شهدت المناطق الشمالية أمطاراً طوفانية أدت إلى مقتل شخصين جراء الانهيارات الطينية. وفي مقاطعة جوريزيا بالقرب من ترييستي، فاض نهر “توري” عن ضفافه بعد هطول 25 سم من الأمطار في غضون ثماني ساعات فقط، مما أغرق بلدة “برازانو دي كورمونس” واستدعى إجلاء نحو 300 شخص من سكان القرى المجاورة، في مشهد يعكس بوضوح كيف أن تغير المناخ بات يفرض واقعاً جديداً وخطراً داهماً يتطلب تكاتف الحكومات والمؤسسات لتبني سياسات بيئية تعيد للكوكب توازنه المفقود.